Tuesday, December 12, 2017

تخيلت أنك أبكم ، وعرفت أن العَالم هو الأصم عندما سمعتك ،
تخيلت أنه لا وجود للموسيقى هي فقط أصداء نبضات قلبك الحالم الذي يشبه  في رقته كل مدينة أوروبية بشكل ما ،

هم مزيفون ، الجمال لا يعنيهم ، كلماتهم الكليشية عن تأمل البحر ومصادقة النجوم ليست حقيقية ربما منقولة عن رواية تجارية ما ،
هل يستنشقون النسمات الهادئة في الليالي الصيفية الرائقة ويسترجعون لحظةً ما بدت سرمدية لا نهاية لها ، ولكنها ككل شئ انتهت ؟
هل يمزجون بين همس موجات البحر ليلاً وبين مقطوعة موسيقية ما ترقد هناك في ركنٍ عتيق من أرواحهم ويوحدون النغمة ثم يتمايلون عليها ويبتسمون إبتساماتٍ راضية ؟
هل يجدون أرواحهم في كل نَفَسٍ فني ، في تداخل لونيين في لوحة تبدو غير مفهومة ، في جملتين تنهي بهما البطلة العاشقة فصل مسرحي كئيب ، في عرض أوبرالي في روما يُشعرك برشاقة روحك؟

هل يتناسون ولو للحظات محدودة تلك الحياة المادية التي هي منطقياً تبدو الحياة بأكملها ، وما هو دونها رومانسية بلهاء لا معنى لها ؟ هل يتناسونها ويندمجون مع تفاصيل صغيرة  تبدو أنها تُمثل إنتماءك إلي تلك المدينة ، كصوت اصطدام الأمواج بالصخر الأخضر ، أو رائحة شوي الذرة المنتشرة بين ذرات الرياح الصيفية الرقيقة أو رواية تدور أحداثها في حي فرنسي قديمٍ أو زجاجتين بيرة علي البحر في نهار شتوي ؟ 


سمعت صوت الناي الذى أكد لك الجميع أنه لم يكن هناك ، آمنت بك ، آلامك حقيقية ، حقيقية جداً وليست ضرباً من ضروب الترف الفكري والإسراف في الخيال الغير مُتعارف عليه في هذه المناطق من العالم ، أشعر بخفة روحك ورنينها ، وأحبُكَ .


المياه كلها بلون الغرق


كان قبطان المركب حبيبي ، أحببته بعد أن أنقذني من قلبي ومن المياه ، وأحبني من دون سببٍ ، كان دائماً يشكرني علي الخطابات التي أرسلتها له لسنوات قبل أن التحق به في رحلته ، لم أكن أعرف عن ماذا يتحدث ، فأنا لا أعرف الكتابة ولم أُرسل يوماً إلي تلك المباني التعيسة ،المدارس، ولم أعرفه قبل غرقي ، ولم أعرف أين هو ولا سفينته من العالم ، ولا أعرف أين نحن الآن ، وهل ما زالنا علي الأرض أو نبحر في مياه كوكب آخر، لكنه كان مًُصراً أنني أخبرته عن ميعاد وصولي لذلك انتظرني ، وكان يرجح أنني قد أصبت بفقدان الذاكرة خلال رحلتي الشاقة في المياه ، صدقته ولكنني لم استطيع أن أنسى أمي أو أسلم بأنها كانت وهماً ، حدثته بلغتي وحدثني بلغته وأجبرتنا الظروف أن يفهم كلانا الآخر ، في الليل كان يضع فوقي شالاً أحمرً حريرياً ويغني بجانب فراشي حتي أنام ،حتي اختفى ذات صباح من على ظهر السفينة، وبقيت وحيدة ، بلا أغنية .

البحر ليس صديقي ولكنه رفيق طريق أجبرت عليه أو اختارته ، لا أعلم حقاً ،
أنا لا أعلم ، ولم أعلم من قبل ، لا أعلم كيف بدأ العالم وكيف سينتهي ، الحقيقة أنني لا أريد أن أعلم ،
إن كانت قدمي العارية تلمس الأرض الساخنة ، وإن كنت أستطيع أن اتناول اللاتيه واحفظ أشعاراً غير مقفاة وأوشم جسدي بحرية ، إن كنت أنال بعض القبلات المفعمة بالرغبة علي ظهري ، فأنا لا أريد أن أعلم ، أما ذلك الفراغ المالح الذي مللت رائحته فهو يجعلني أريد - وللأسف-أن أعلم ، 

 ربما عليّ أن أحب شيطاناً طويل الشعر يعرف من الأسرار أكثر ما يعرفه البحار وأكثر مما عرفته أمي، لم أعتقد في شر الشياطين يوماً واحداُ في حياتي، سيكون موتي جميلاً لا يعرف الطقوس المُبكية ولن يكون هناك من يبكي .



La Double Vie de Veronique ( 1991 ).