Thursday, January 20, 2022

جراديڤا


جراديڤا

الآن أمقت خيالات النهار

وأحب أصوات القطارات

والأقدام الراحلة في أي اتجاه

الآن أمر تحت السحب

فتحتمي ببعضها كالجنود في الليل

حين تلمحك بين أساوري

تُزف ملكاً شاباً

تتربع على عرشك في سفينة الحق

وتسبح في السماء نحو الحياة الطيبة التي يحياها

من هم في كَمَالك

جراديڤا

أوجعتني لقرنين ونصف من الزمان

بين غوايات متاحف روما

وأنت تمشي بافتتان

دون همسة للأمام

والراهبات يهرعن إلى لهيب صدرك

كأن النيران الأبدية تنطفأ تحت قدميك

احتملت أن أشهد ذلك لدهورٍ

 في الممرات المالحة

وخلف الأعمدة الفاترة

وقلبي الكنعاني يبتهل

برموز حرثتها هويتك

جراديڤا

كنست الفضاء

سددت ضرائب مدن خيالية

ورطت جسدي في لوحات كولونيالية  

سلّمت حواسي الأفريقية

لمراكز فنون قوقازية

وطيات ملابسي للعالم القديم

لأُصبح إطاراً مُفرغاً

يناسب رئتيك

أزلت بيوت العناكب

حتى القانوني منها بلا شفقة

نثرت الحَب في عيونك

كتبت إهداءً نرجسيًا على كتفك الأيسر

ثم ختمت على عنقك

ولففتك في حصير فارسي

قبل أن تتجلى

تمثالاً نُفخت فيه الروح لتوه

سيراميك ثم خضاراً يافعاً

 يتبرعم ويتشكل في لمح البصر

لتقف رجلاً مكتملاً

خرج من رطوبة الليل

شارداً في السواد المجدول -كشعر عذراء هندية-

خلف بلكون مغارتي

بلا لحظة تساؤل

 كأنك عشت هكذا مائة عام

في توكسيدو تناسته أتربة الشرق

غريباً عن الصورة

تبدو بجانبي نجماً سينمائياً في زيارة إنسانية لملجأ

وأنا في ملابس تشبه زي الإصلاحيات

ببسمة لا تفهم الألم

 كفواتغرافيا صغار المخيمات

تمثل أمامي مجرداً

كچاليتو الفانيليا

إلا أن الرجولة تفور في جسدك

كعرق نافر من جبهة أسد غاضب

بحذر أتحسسك بقطنة بنفسجية 

 أزيح عنك أغشية المخاض وعَفَر الميثولوجيا

أغسل غابات رأسك بالماء الفاتر

وأنفك الروماني بلبن اللوز

أُجفف أذنيك بنور قمر منهوب

من قافلة عائدة للجنوب

أما أنا فاستحم في ماضيك

 تنساب فوقي كالنيتروجين السائل

خام جيري بنكهة المثلجات

اندفع من انقباضات قلبي

بعد قرون من الضغط والشغف

جراديڤا

رسمت صليباً على ضلوعي

وأنا أداوي ساقيك

 المغمورة في الكدمات

الملسوعة بحيوية عظامي

من بعد فيزوف

راوغت نخاعك الملتهب

بكمادات منقوعة في النعناع وزهرالياسمين

لم أجد ما يخفف اشتعالك

لا سجائر

 لا طعام صيني مشبع بالدهون

 لا صالات شراب محلية

جريت خلفك بدموعي في حديقة رمان

تُسقى لسنوات عديدة كلما مرت عليها امرأة محزونة

اختبأت بالوادي الأزرق كحرباء مكدومة

اغتال طفولة الأشجار

وأقطف التين والزيتون

أحرس حقولك بجسدي النحيل

 كأني أسبح في ليل إغريقي

أعبره بين يديك بلا سترة نجاة

وأنا أتناول المحار المستورد

بشهية مكسورة من المنتصف

تدلت الصواري من بين يديّ وانقلب قاربنا

انتحب التاريخ في منحانياتك

 والمجازات من بين أصابعك

فمال البحر المتوسط  ليسع حريق جسدينا

دون أن يجرأ على اطفائها

جراديڤا

في قدمك إرث تعاسة

يجرح كاحلك كلما خطوت

في صوتك عمق باريتوني

كأنك تصدح من بئر مدفون

على بعد مئات الأميال من العمار الإنساني

كأن عنقك من الداخل

مازال ينعم في الرخام المنقوش

تقف القواميس عاجزةً بيننا

ما يهرب في الترجمة

التقطه بعناية من همهاتك

وعرق جبينك

كأي أمٍ مخلصة

فتاي أنت وصغيري

ألقنك الكلمات الجميلة

مسقيةً بالضوء والماء المالح

عذروات مجردات من تاريخ آلاف السنوات

من ابتذال البشر

أصبهن في أذنيك وأعنيهن بالكامل

جراديڤا

أراودك عن نفسك

 فوق غفوة المدينة

فتمنحني حنانك البتول

وتدعني آكل برد أخر ليلة في العام

عن حرير وسادتك

والتقط نوايا العرافات من فوق جسورك

بلا أدوات حربية صغيرة

أو أعواد خشبية

تفضي إلي بنوارتك

فتُصبغ سنابلك بلون فراشي

تبكي بندم مراهقة مُعذبة

فأنهرك

كأن جسدك الصبي بيتاً

لمعاتيه حضارات تسليع العزلة

يتململ الليل

ويتقيأ مطراً مدخناً

يسحب معه أصداء الإذاعات الموسولونية

وألعاب الرعاة المهووسين

فأرتعد

وأجري إليك

وأنت تستلقى على ظهرك العاري

 كأنه يوم شاطئي

تسامحني

ونحمم بعضنا بالرمال والقبل

تسامحني

لأن خفتك لا يمكن أن تنتمي لغير جماد

أما أنا فقد ورثت زماناً خلف زمان من

 اللهفة

 واللوعة

 واحتراق الأنسجة الحيوانية

جراديڤا

من حيث تأتي

لا يصطفون العزائم باغتيال القمح

ولا يمنحون الزوارق على نواصي الشوارع

حررني من عبودية منابعي

جرجرني خلف أسوار الحضارة

كأني سحابة مشئومة سقطت فوق عنقك

تمنحك حملاً أطلسياً

 وتنشج في الليل مطراً دافئا

وصدقني

حتى إن لم أمنحك رداً حاسماً

عما أعرف ولا تعرف عن ماضيك

أو تاريخ ميلادك

أو كيف أعبر بك بين المطارات

لأوثق عيونك الحية بجانب أسلافك

 في المجاورات الأسبانية

بين أبناء البحر المتوسط

والمسافرين من الأراضي البعيدة

بين المقاهي المزدحمة

بالجيتارات والأطعمة الشهية

والشوارع الخلفية

والبلكونات القصيرة

وأرصفة القطارات

صدقني

ولا تهلع

 وأنا أُصعق

كالمهاجرين

من السمك والطير

والبشر

في نقط الحدود

ومنافذ التأشيرات

وخلف المياة الإقليمية

 صدقني

وأمنحني كفوفك

 المتروسة بالأسمنت وشربات العسل

يمكن للمسة راضية

أن تفتت عمودي الفقري

ولوهلة تتوحد الشوارع وتُمحى الأرصفة

وتهبط القطارات في وسط الميادين

فيلقى الحي تاريخه وجهاً لوجه

دون مقدمات ساذجة

أو نغمات خلفية باهتة

يتّخرم جلدي

وتنفلت هزائمي

وتنسل نوتة وحيدة من بين أناملي

تبلل سلامك

وتعصف بليلنا الأليف

جراديڤا

علموك ألا تصدقني

وأن تذبحني باستهتار

 تبعثرني في ميادين بلدتك الصغيرة

تتقاذفني صناديق البريد وإشارات المرور

 تسحبني السراديب المعلنة

 لتهديني لأخرى خفية

تأمرني بالوقوف فوق رمالك الساخنة

بلا حذاء

أو مصباح كيروسين

وأنت تراقبني من أعلى

كأني تائهة في خريطة

تنظر في عينيّ عبرعدسة مشروخة

تتبختر بدلال مولود صبي في الشرق الأوسط

كأنك برئياً من دم الدراما السائل في حبري

من سيوف الشعرالنافذة لدمي

بالطبع سأدافع عن وجودي

 وألكم أسنانك اللبنية

فقط لأخبر من بعدي أنني حاولت

 وأتبع مسيرة الأحياء

في السعي والحب

وأُضمّك

حين لا أعرف كيف أضم العالم في قصيدة

أنت العالم في قصيدة

أنت العالم والقصيدة

أرسم ماكيت بدائي وغير طموح

أناجي المحبوب في مطلعه

جراديڤا يا ليلي الشمالي وسمائي القرمزية

يا نيلي الحالم ومحيطي الغارق

أنتقل للفخر

فألوح بجواز سفرك

 وأدعي أمومة سماوية

لم يمسسها رجل قط

أرثي حالي عندما تحرق قلبك

وأدور حول النيران

وأرقص

كطقس وثني

لمنحوتة روائية

سكنت عظامي

جراديڤا

إن قتلت نفسك في غرفة بنسيون وسط المدينة

بين مروجيّ الصعلكة وكوابيس الأدب      

 بجرع زائدة من الرقة السامة لقلبك النابت

سأشيع جسدك عبر البلكونات العتيقة

وأمنحك أمسية موت تليق

بملك مصري مدلل

أحاوط باخرتك المغادرة بكرنفالات اللوتس

وبساتين الحنان

أقتلع قلبك وأرسله للسماء

أفرك جسدك بجوز الهند وقشر البرتقال

أصادر الأسرار من أفاعي الممياوات الملكية

وأتمدد إلى جانبك عمراً

قبل أن تتقيأ سخافاتي والمواد الكيميائية

 وتنفض حملك البيولوجي عن كفيّك وساقيك

 وتغادر

 أبكم وأعمى

في حقيبة بارون المافيا

بجانب ثلاث قطع فنية ثنائية الأبعاد

أسامحك

وأُخلّف قلبي للصوص المقابر

وإن عثرت عليك عشيرتي

واغتالتك في ليل اكتمال القمر

وجرجرني قومي وآبائي وشرطي قصير القامة

لتحقيق حول ماهيتك

وحاكموني لحيازة الأصنام

أتلهين بما تغزلين؟

سأمتلك حجرأساسك للأبد

وسأبنيك مرة تلو الأخرى

لا يهم عدد المرات التي

 سيسقط محّارك عنك

لا يهم إن غرق بيتنا الصغير

 في البتلات البيضاء

أو احترق في دخن النيكوتين والأخشاب

كلما انفجر قلبك

سأبدأ من جديد