Monday, July 8, 2019

حصة تشريح يلقيها طبيب بلاستيكي.



في قلبي ثلاث غرف 
تذهب الطبيعة أنهم أربعة 
غير أني لا أُطوَّع
ولا استسلم للمسافات 
المزروعة بالأنصال الحادة
والأقفال الصَدِئة تارة 
وبالرقصات الغجرية 
وأكاليل الزهور المرصعة
بالثقافات المضادة 
تارة أخرى
ولا أريد أن أقطعها 
أو أبلل أكمامي في مستنقعاتها 
تلك المسافة التي 
خلفها عجزي
المحبط أحياناً
المبارك أحياناً
أن أكون مثل الجميع 
يمكنكم أن تقولوا أن بداخل قلبي ما بداخله
فقط يوم أن أُشرّح إربًا رغما عني
وأُوزَّع كأضحية ساذجة 
لأفواه ممتلئة بالذخيرة 
لتدفعني كالعاصفة 
بداخل أبواق الحرب النحاسية 
أو تضغطني لأقصى حد 
حتى أتحول لسائل عضوي ثمين
يدير موتور المعركة غير المقدسة 
أما اليوم فلا حق لأي من كان
أن يصنفني كجسد ٱخر
لا جديد فيه 
سوى حريته أن يكون كيفما شاء 
-
ربما يدور فوق جسدي الزمن 
ويُعثر على الغرفة الرابعة 
في المشرحة
أو بعد مائة سنة
سيهتدي إليها عالم أركولوچيا تافه
فيعلن أنه اكتشف مقبرة تاريخية
بلا جثة ولا قرابين
ولا مٱتم شرقي عتيق

لأنها فقط معسكر اعتقال سري

شُمع بالأحمر والأسود
يخبأ كتابات غير مرئية 
عن جسد مسكون
فرمته عجلات الكوابيس 
وهجره المستأجرون
واستنفذت رائحته الصابحة 
أنوف لا تنتمي له

وكلمات مقتولة 

عن أحلام معتقلة 
لا تتبع القوافل
ولا تردد النشيد الوطني
في الطوابير الصباحية
ولا ترتل النصوص الدينية 
في الحلقات المسائية
ولا تغني عن العورات 
من خلف ستارة الاشواق
ولا ترتجف على عتبات البيوت
ولا تترنح في ممرات الحانات

لا تتماهى مع الحبكات الدرامية 

ولا تستقر 
أبداً
لا في كلمة 
ولا صورة 
ولا بيت شعري

ربما الغرفة الرابعة

هي كنز جنوبي
أخفته أبعد نقطة في صدري
لقرون
حتى صار ساكنًا
ينتظر رحالة على وشك اليأس
يعيد له شيئاً من الحياة .
-
غرفة (١) الملح والماء

في الطابق السفلي

ساكن مشاغب
تتدلى من رموشه
امرأة على وشك السقوط
تتشبث بقدميها امرأة آخرى 
كي لا يغرقن جميعًا 
دون قبلة فوق الجفنين
يحملهن ويطرق الباب بشراسة
فتنتفض ملائكتي
وتتخلخل الطفولة في صدري 
لا ينفذ قرارات الإزالة 
ولا يرهبه مرسوم ارتجافي 
أطرده
فيعود
يتوسل
يتحايل على دموعي بالقبل
يتحايل على قبلي بالدموع 
يسمم دمي بالمهلوسات
حتى لا أنكر الله في عينيه  
فأغرزه في لحمي
وأعدي به خلايا دمي
وجذور أعصابي
وبصيلات شعري.
-
يفرش أنسجتي بالسجاد الفارسي 
ويتزحلق على أرضي المحتلة بمرح
يعلق بورتريهاته العانس على الحيطان
دون أن ينتبه لدق المسامير في قلبي 
تمطر دمائي فوق رأسه
فيدير مفتاح شفتيه 
ويلتهم أكواب الفراولة الحامضة
غير عابيء بالخلايا الجائعة
ولا بجغرافيا جسدي المضياف
يجوع 
فيفترس جدران غرفته الآيلة للسقوط
أناوله الحب بالملعقة
ينمو 
ويتسلق ناطحات السحاب
في تعرجات أنسجتي
كما تتسلق وحوش الأفلام التجارية
مبنى الأمباير ستيت
لكنه يسقط بعنف في قاع صدري
فارتج
وأفقد توازني 
وأبكي.

غرفة (٢) ٱلام الدورة الشهرية
في الغرفة الثانية مقام سوق قديم

البعض يجلس 
البعض يمشي 
لا أحد يركض
البعض يشتري 
البعض يبيع 
الشجار دائم
والخروج على الأغلب غير مسموح 
لأن شجرة التفاح صارت أوراقًا مكتبية
والانتقال بين هنا وهناك
لم يعد مجرداً 
من الاعتبارات 
ولا حراً 
كالسقوط من الجنة .

هنا أُسرت 

وقيدت بكلبش واحد 
مع ألفي امرأة من كل عصر 
تطوقنا المواريث والثياب الحمراء
كورت جراحنا لأصغر مدى
ودفنتها في بلدة قديمة 
خبأتها في صدري 
حتى لا أنسى
مدينةً ملونةً 
فُرغت خزائنها في الليل 
من عقاقير الأنوثة
فأصبحت مدينة
لنا بالحياة 
وضمادات الجراح
وقضمات الرغيف المبلل بالحناء .

هنا مُنحت سنابل الوجود 

وعمدت على باب المعبد
دون أن يسمح لي بالدخول
وهنا أيضًا دُعيت خفية
لمسرح سري
ترأسه الجنيات المسحورات  
ويفتتحه غناء بتلات زهر الياسمين
وتتراقص فيه كل ليلة 
ٱثار أقدام عاصرات العنب 
وفيه بجرأة
تُسحق شجرات الميلاد غير المضاءة .

وهنا يرقد الوجع في قبور

بداخل عظام
امرأة بابلية على الرصيف
تطعم رضيعها الحب
واكسير الصلابة 
ومرارة الحقيقة 
وعجوز كفيفة ساجدة عند بئر القرية
وفتاة جاثية في ثوب أبيض شفاف 
تلعق بلسانها الماء من التراب
وامرأة صينية لم تطالب بالحرب.
هنا قتل "جدر البطاطا" عزيزة 
وألقى بها 
بجانب جثة هنادي الملوثة بالحب
في معقل الأجساد الباهتة 
لا ينعشهن 
البريق اللامع لأقراطهن الذهبية
في حلق الصبايا 
لا أنسى لأن بكاءهن 
يبوش جدران قلبي 
ويزرع تحت جلدي 
برعم الانهيار الخبيث.

غرفة (٣) موسيقى لا محل لها من الإعراب
خُطفت من شباك الأحلام الصغيرة 

في تمام الساعة الثانية صباحًا
القمر يبتسم لي
وأنا أرسو فوق سحابة
منزوعة الدسم
والألم
انقطعت الحبال الملتفة
حول رأسي 
وسلمني الليل الطويل 
لخيالات النغم
دون جزية 
أو خدش في أصابعي.

هبطت لسريري

قبل أن تشتد الشمس 
سحبتني الموسيقى من شعري 
إلى حافلة المدينة الأرجوانية
وتسترت على الحقيقة 
فوق أسوار الملاعب
وتحت عجلات القطارات
في فم الشوارع المزدحمة
خلعت عني رأسي 
وقبّلت عنقي بهدوء
وثبتتها من جديد
بعد أن أسكرتني.

عند الأصيل

وبعد ساعات العمل الرسمية
غطست جسدي في النغم 
لتزيل عني آثار الحرارة 
وغبار الرأسمالية 
وتركتني معلقة بأصابع مرتجفة
على حافة الإيقاع
علقت الأوهام نياشين
على صدري
وفي منتصف جبيني
فاستسلمت للأكاذيب الجمالية
ولم أكافح ضد الغرق.

في قلبي العيد

تتكدس الأغاني
في الطابق العلوي
تواجه الموت يوميًا
حوالي مائة ألف مرة 
في اليوم على وجه التحديد
عندما ينفتح الصمام
ويسقط كل سكاني بفعل الجاذبية
تتشبث بالجدران 
وترسل أشعتها 
لنقاط ضعفي
وحفر انكساراتي.

بالأمس 

أرسلت بيتهوڤن في مجرى الدماء 
ليدق فوق رأسي
فسقطت الكلمات العالقة بجمجمتي
بين أحبالي الصوتية 
لم تخرج 
ولكنها انحشرت بين أصابعي .

اليوم أُخذت من الزمن فجأة

بين خصلات شعره 
ونحن نتحدث عن
مدى تأثير النظام الغذائي
على معدل ظهور حب الشباب 
كما يسرح منير
وسط الغناء 
ويتوه
ويهبط
فجأة
وينهار أمام النظرة
عند: " دي عينيك شبابيك. "
ثم يسترد وعيه سريعًا: " والدنيا كلها شبابيك." 
لم أفق بتلك السرعة على أية حال.

وغدًا سأختزل في إيقاع ثلاثي 

دُم تك تك
تجمدني الصباحات فأقول دُم تك تك
تنهرني الفوضى بداخلي فأقول دُم تك تك 
يعتقلني الليل فأغني للسجان دُم تك تك.

وسأُقطّع أصابعي

لأزين تورتة استقبال الكمانجات 
بيدين راضيتين
وجوارح مرتخية
فموسيقتي لا تحرق
إلا جسد الديكتاتور.

وسأسمح لها أن تحتفل 

حتى وإن جرحت زينة الأعياد أوردتي
وأن تنتشر 
حتى وإن استعارت بلا استئذان
من جوفي التمبو
وعزفت الأليجرو
على رعشة لمستنا الأولى
والأديچو وأنا أسقط على دفعات .

فقط طلبت منها 

أن تغلق غرفتها جيدًا من الداخل 
يوم أموت 
حتى لا ينفضح أمرنا 
وألا تهبط أبدًا معي 
حتى وإن اضطرها الأمر
لأن تستقل مروحيات العسكر
وأن تظل طافية
إن بقيت
حتى لا يثقل قلبي 
عن ريشة العود 
فيلقي بي أوزيريس
إلى الفناء 
فنسفتني 
إلى حبة لقاح
لا تعرف إلا الموسيقى
ولا تتجاوب مع غيرها.

Masculin Féminin (1966)