Sunday, June 19, 2016

إلى أن ينتهى النور .

كان كل شئ يجرى على ما يرام ، كنت قد تجاهلت تكويني ، وربطت أطرافي ،وكففت عن الكلام عن نجمتى الأم ، وقدمت نفسي كل صباح كدمية ناضجة ، ثم كانت تلك الليلة عندما تسللت لشارع خلفى نصف مضاء وأنا أجر خلفى حمل جناحين عاطلين عن العمل و كتل متفرقة من خلايا مقتلعة من جذورها ، صفعني ظلى بغير رحمة عندما تجلى مسخاً عملاقاً على السور الخلفى لفيلا صيفية ، تراجعت وركضت طويلاً وأنا أرغم رأسي على تجاهل ما حدث ،عندما عدت لغرفتي كنت أبحث عن نصِ ما يصف رائحة هواء الصيف ليلاً فى المدن الساحلية قرب البحر ، من الصعب أن تجد كلمات مناسبة للبحث عن مضمون قصيدة ،لم أصل لشئٍ فقررت أن أمنح نفسي هذا الشرف وبدأت أكتب ، ثم وجدتني أصف رائحة شواء الذرة وملابس الاستحمام وكلور حمامات السباحة وكذلك الظل الثقيل فتوقفت، قرأت قصيديتين وفصل مسرحي ثم تأملت رشاقة جسدي لدقيقتين وعدت ولم أكتب شيئاً ، لم يكن من الكافي خلال اليومين التاليين أن أقضى الليل مع البحر،أغمره بعينين مفتوحتين وأنف واعية وأتركه يغمرني ويسرب أملاحه فى أطرافي ، فبدأت اختبر الأشياء التى قد عشت بجانبها عقدين بالفعل، أترك أصابعى للماء ، املأ صدرى بالهواء لأقصى حد ممكن ، ألون جسدى بالأحجار، وأحشو جيوبي بالرمال ، امتلأت بالبحر ثم ذهبت وقررت أننى لن أكتب أبداً .

Perfect sense - 2011

استغرق الأمر عدة سنوات آخرى وعشرين رواية وسايمون وجرفنكل وثلاثة انهيارات عصبية لأدرك كم ألف مرة فتحت عينيّ تجاهه دون أن أنظر، أو سمعته دون أن أصغى ، كم ألف مرة لم أخذ حقيقيته المُفرطة ووجودى الغير منطقى على محمل الجد ، كان كل ما يحتاجه أن أتحلى ببعض الشجاعة ، دعوته أن نذهب بعيداً ، ستة عشر مدينة رأيناهم فى ثلاث سنوات ، كانت كل الأشياء زجاجية وقابلة للكسر ، لم يكن ثمة أقفال لا على أعماقنا ولا ظواهرنا ، كلانا حر تماماً ، لم تكن تعرف عنا الحضارات ولا المكتبات العامة ، كنا نكتب قاموسنا الخاص للمعانى والتجارب ، كنت أترجم كل مدينة كالعمل الفني ، فى الغالب كانت المدينة لا تكشف عن قماشتها إلا فى آخر ساعيتن عندما تكون فرصة استعادة ثمن التذاكر قد انتهت بالفعل ، لم أصادف مدينة حريرية أو شفافة على نحو كافٍ ليفقدني نفسي بين حاناتها ، ولكنني كنت حرة ، قديسة فى الجنوب وعاهرة فى الشمال ، أُقبل من يحلو لي وأتنفس بعمق وأكلم المارة وزجاج القطارات ، ثم أعود لحضنك الحريري والشفاف فى آخر الليل ، اتفتت وانكشف أمامك ، اتعمد أن انكشف أمامك ، ارتجف وأتنفس بسرعة واتشبث بذراعيك ، أقبض على طرف قميصك بيدٍ متوترة وألقى بدمعتيين بين خصلات شعرك الدافئ ، تحاول ، تغنى فى أذني ،ولكنى اتشنج وأكسر أظافري وأطبق على صدرك وأضرب جسدك الرقيق الذي يحتضنني فى لحظات ضياعى الوجودي،
تصب الماء البارد والقبلات على شعرى، انزوري بدخلك وأهمس ne me quitte pas ، أشبع عيناي من كل خلية في جلدك ، أشاهد جمالك لساعات ولا أكتب عنه .

ثم نركب القطار فى الصباح ، مدينة جديدة ، أودعك عند باب المحطة واذهب ، ارتشف كل أنواع الشراب ، أمر بأضيق الشوارع ، أوشم ظهري وذراعي وعنقي بآثار أصابعك ، ودون عنوان فى آخر الليل أجدك ، وأعود إلى حضنك الرقيق .

Wednesday, June 1, 2016

أشياء أكثر عشوائية من أن تعنون

المدن قاسية جداً والبشر ليسوا كذلك ، لم تسمح لي المدينة أن أمد أوتار الharp الناعمة بين السحب في إحدى الليالي الصيفية ، كنت قد حلمت بأنني أمشي بمرح فوق تلك الأوتار وبفستانٍ أبيض قصير وشعرٍ يبدو عشر مرات أكبر حجماً ومائة مرة أكثر بعثرة في تمويجاته ومنحنياته يميناً ويساراً من حقيقة شعري، مشيت طويلاً حتى وصلت إلى ممر من الزحاليق الثلجية طغت عليه رائحة الفواكه بشكل أقوى مما أحتمله ، ولكنني احتملته ، واندفعت فوق الثلج ضاحكةً ، حتى قادني إلى بيتى السحري ، بيتي الذى سرقته المدينة ، وزحام المدينة ، وبورصة المدينة .
 أما البشر فطيبون ، أنتِ بالذات طيبة ، إن كنتِ قد سمحتِ لكلمات شاعر منتحر ونغمات عود تتقاذفه مقاهي وسط البلد ورائحة طلاء البيوت القديمة أن تجركِ إلى هنا إلى ما يشبه القاع وما يشبه الغرق أحياناً، ولكنه يشبه فى أحيان أكثر الفرانادت التي خلفها الإيطاليون والشاي بالنعناع والسينما الفرنسية والعناق المُحرر من الخوف والقيم والأقمشة فى أول الظلام ، أنتِ طيبة وحقيقية .
 في عُرف المدن الكلمة لا تسمن ولا تغني من جوع ، في عرف ساكني الغرف الضيقة في البدرومات بحوائط سدت شقوقها البوسترات السينمائية ، الكلمة هي الإيمان والحب والشهوة ، ماذا يضير المدن إن نُزعت منها الكلمة والملمس والرائحة ورتوش الفن؟ ، لا شئ ، ماذا يضير القليلين مثلكِ لو توقف الناس عن تجسيد لحظات الضعف ؟ كل شئ .
من مدة وأنا أفكر بأن الفن يلتقطنا ونحن حالمون أو ونحن نريد أن نكون حالمين، الفن لا يتوقف عن العبث بالمنظومات المقدسة والأسوار الحديدية وجمود المدن العطنة ، وأنا لا أقصد الفن الذي يحمل تلك الرسالة بالذات ،
بل أقصد الفن كشخصية، لا أستطيع حقاً أن أكتب عما يدور ببالي من أفكار بشأن تلك الشخصية بشكل يبدو منظم ومنطقي ، لكن كمحاولة غير متعوب عليها ، فأنا أعني تلك الأشياء الصغيرة التي تتحسسك من رأسك لقدمك وتنفض جسدك دون حتى محاولة للمسك، أشياء كرائحة صوت البيانو في غرفة مظلمة بعد منتصف الليل 
، كلمات ك : " Your skin smells like light , are you the moon ? " مررت بتلك الجُملة بتمبلر وأنا اكتب تلك التدوينة ، 
سريالية  نص سينمائي ما والكثير من الألم والتشابه فى صورة سحرية مكتملة وكذلك موقع متميز في قاعة السينما فى ركن هادئ لا يسمح لأحدهم أن يعبث بتفاصيل الفيلم فى رأسك أو أن يرغمك على تكوين ذكرى ما تحمل ضحكته أو بصقه على الأرض فى أعظم مشاهد الفيلم، ذلك ما أحاول توضيحه ولا تساعدني قلة حصيلتي المعرفية على توصيله بشكل سليم ، أؤمن أن تلك الأشياء هي مفاتيح صغيرة جداً تفتح أبواب ضخمة إلى تلك المناطق البعيدة العطشى فى الروح ومن ثم فى العقل ، تفتح قيود وتزيل أتربة كونتها مئات السنين مخلفة وروداً ناعمة يغلب عليها اللونين الأحمر والأبيض ،  
 توقفت عن الإيمان بما يُدعى الفن الهادف الخادم لفكرة ما ، زاد إيماني بالهلاوس وبقايا الأحلام ، بالصور المهزوزة ورائحة الجسد وأصابع اليدين ، غيرت عنوان المدونة إلى بيلليترست وأنا أعرف أنني لست كذلك ولكنني معمية بالغواية ، البشر يعرفون الحب ، البشر يغوون ويغتون بالحب ، محاولات الفهم ها هنا هي أكبر مضيعة للوقت والفطرة ، ما من داعي لفهم أي شئ ، ما من داعي للتحدث فيما لا نفهم ولا نريد أن نفهم ، المسميات خيانة كبرى في حق المعاني والألوان ، المدن ترغب فى المزيد من المسميات والإطارات ، المدن ترغب فى المزيد من التوضيح والقواميس والقيود ، المدن قاسية وشريرة .


The dreamers - 2003