كان كل شئ يجرى على ما يرام ، كنت قد تجاهلت تكويني ، وربطت أطرافي ،وكففت عن الكلام عن نجمتى الأم ، وقدمت نفسي كل صباح كدمية ناضجة ، ثم كانت تلك الليلة عندما تسللت لشارع خلفى نصف مضاء وأنا أجر خلفى حمل جناحين عاطلين عن العمل و كتل متفرقة من خلايا مقتلعة من جذورها ، صفعني ظلى بغير رحمة عندما تجلى مسخاً عملاقاً على السور الخلفى لفيلا صيفية ، تراجعت وركضت طويلاً وأنا أرغم رأسي على تجاهل ما حدث ،عندما عدت لغرفتي كنت أبحث عن نصِ ما يصف رائحة هواء الصيف ليلاً فى المدن الساحلية قرب البحر ، من الصعب أن تجد كلمات مناسبة للبحث عن مضمون قصيدة ،لم أصل لشئٍ فقررت أن أمنح نفسي هذا الشرف وبدأت أكتب ، ثم وجدتني أصف رائحة شواء الذرة وملابس الاستحمام وكلور حمامات السباحة وكذلك الظل الثقيل فتوقفت، قرأت قصيديتين وفصل مسرحي ثم تأملت رشاقة جسدي لدقيقتين وعدت ولم أكتب شيئاً ، لم يكن من الكافي خلال اليومين التاليين أن أقضى الليل مع البحر،أغمره بعينين مفتوحتين وأنف واعية وأتركه يغمرني ويسرب أملاحه فى أطرافي ، فبدأت اختبر الأشياء التى قد عشت بجانبها عقدين بالفعل، أترك أصابعى للماء ، املأ صدرى بالهواء لأقصى حد ممكن ، ألون جسدى بالأحجار، وأحشو جيوبي بالرمال ، امتلأت بالبحر ثم ذهبت وقررت أننى لن أكتب أبداً .
استغرق الأمر عدة سنوات آخرى وعشرين رواية وسايمون وجرفنكل وثلاثة انهيارات عصبية لأدرك كم ألف مرة فتحت عينيّ تجاهه دون أن أنظر، أو سمعته دون أن أصغى ، كم ألف مرة لم أخذ حقيقيته المُفرطة ووجودى الغير منطقى على محمل الجد ، كان كل ما يحتاجه أن أتحلى ببعض الشجاعة ، دعوته أن نذهب بعيداً ، ستة عشر مدينة رأيناهم فى ثلاث سنوات ، كانت كل الأشياء زجاجية وقابلة للكسر ، لم يكن ثمة أقفال لا على أعماقنا ولا ظواهرنا ، كلانا حر تماماً ، لم تكن تعرف عنا الحضارات ولا المكتبات العامة ، كنا نكتب قاموسنا الخاص للمعانى والتجارب ، كنت أترجم كل مدينة كالعمل الفني ، فى الغالب كانت المدينة لا تكشف عن قماشتها إلا فى آخر ساعيتن عندما تكون فرصة استعادة ثمن التذاكر قد انتهت بالفعل ، لم أصادف مدينة حريرية أو شفافة على نحو كافٍ ليفقدني نفسي بين حاناتها ، ولكنني كنت حرة ، قديسة فى الجنوب وعاهرة فى الشمال ، أُقبل من يحلو لي وأتنفس بعمق وأكلم المارة وزجاج القطارات ، ثم أعود لحضنك الحريري والشفاف فى آخر الليل ، اتفتت وانكشف أمامك ، اتعمد أن انكشف أمامك ، ارتجف وأتنفس بسرعة واتشبث بذراعيك ، أقبض على طرف قميصك بيدٍ متوترة وألقى بدمعتيين بين خصلات شعرك الدافئ ، تحاول ، تغنى فى أذني ،ولكنى اتشنج وأكسر أظافري وأطبق على صدرك وأضرب جسدك الرقيق الذي يحتضنني فى لحظات ضياعى الوجودي،
تصب الماء البارد والقبلات على شعرى، انزوري بدخلك وأهمس ne me quitte pas ، أشبع عيناي من كل خلية في جلدك ، أشاهد جمالك لساعات ولا أكتب عنه .
ثم نركب القطار فى الصباح ، مدينة جديدة ، أودعك عند باب المحطة واذهب ، ارتشف كل أنواع الشراب ، أمر بأضيق الشوارع ، أوشم ظهري وذراعي وعنقي بآثار أصابعك ، ودون عنوان فى آخر الليل أجدك ، وأعود إلى حضنك الرقيق .
Perfect sense - 2011
تصب الماء البارد والقبلات على شعرى، انزوري بدخلك وأهمس ne me quitte pas ، أشبع عيناي من كل خلية في جلدك ، أشاهد جمالك لساعات ولا أكتب عنه .
ثم نركب القطار فى الصباح ، مدينة جديدة ، أودعك عند باب المحطة واذهب ، ارتشف كل أنواع الشراب ، أمر بأضيق الشوارع ، أوشم ظهري وذراعي وعنقي بآثار أصابعك ، ودون عنوان فى آخر الليل أجدك ، وأعود إلى حضنك الرقيق .

