Wednesday, June 1, 2016

أشياء أكثر عشوائية من أن تعنون

المدن قاسية جداً والبشر ليسوا كذلك ، لم تسمح لي المدينة أن أمد أوتار الharp الناعمة بين السحب في إحدى الليالي الصيفية ، كنت قد حلمت بأنني أمشي بمرح فوق تلك الأوتار وبفستانٍ أبيض قصير وشعرٍ يبدو عشر مرات أكبر حجماً ومائة مرة أكثر بعثرة في تمويجاته ومنحنياته يميناً ويساراً من حقيقة شعري، مشيت طويلاً حتى وصلت إلى ممر من الزحاليق الثلجية طغت عليه رائحة الفواكه بشكل أقوى مما أحتمله ، ولكنني احتملته ، واندفعت فوق الثلج ضاحكةً ، حتى قادني إلى بيتى السحري ، بيتي الذى سرقته المدينة ، وزحام المدينة ، وبورصة المدينة .
 أما البشر فطيبون ، أنتِ بالذات طيبة ، إن كنتِ قد سمحتِ لكلمات شاعر منتحر ونغمات عود تتقاذفه مقاهي وسط البلد ورائحة طلاء البيوت القديمة أن تجركِ إلى هنا إلى ما يشبه القاع وما يشبه الغرق أحياناً، ولكنه يشبه فى أحيان أكثر الفرانادت التي خلفها الإيطاليون والشاي بالنعناع والسينما الفرنسية والعناق المُحرر من الخوف والقيم والأقمشة فى أول الظلام ، أنتِ طيبة وحقيقية .
 في عُرف المدن الكلمة لا تسمن ولا تغني من جوع ، في عرف ساكني الغرف الضيقة في البدرومات بحوائط سدت شقوقها البوسترات السينمائية ، الكلمة هي الإيمان والحب والشهوة ، ماذا يضير المدن إن نُزعت منها الكلمة والملمس والرائحة ورتوش الفن؟ ، لا شئ ، ماذا يضير القليلين مثلكِ لو توقف الناس عن تجسيد لحظات الضعف ؟ كل شئ .
من مدة وأنا أفكر بأن الفن يلتقطنا ونحن حالمون أو ونحن نريد أن نكون حالمين، الفن لا يتوقف عن العبث بالمنظومات المقدسة والأسوار الحديدية وجمود المدن العطنة ، وأنا لا أقصد الفن الذي يحمل تلك الرسالة بالذات ،
بل أقصد الفن كشخصية، لا أستطيع حقاً أن أكتب عما يدور ببالي من أفكار بشأن تلك الشخصية بشكل يبدو منظم ومنطقي ، لكن كمحاولة غير متعوب عليها ، فأنا أعني تلك الأشياء الصغيرة التي تتحسسك من رأسك لقدمك وتنفض جسدك دون حتى محاولة للمسك، أشياء كرائحة صوت البيانو في غرفة مظلمة بعد منتصف الليل 
، كلمات ك : " Your skin smells like light , are you the moon ? " مررت بتلك الجُملة بتمبلر وأنا اكتب تلك التدوينة ، 
سريالية  نص سينمائي ما والكثير من الألم والتشابه فى صورة سحرية مكتملة وكذلك موقع متميز في قاعة السينما فى ركن هادئ لا يسمح لأحدهم أن يعبث بتفاصيل الفيلم فى رأسك أو أن يرغمك على تكوين ذكرى ما تحمل ضحكته أو بصقه على الأرض فى أعظم مشاهد الفيلم، ذلك ما أحاول توضيحه ولا تساعدني قلة حصيلتي المعرفية على توصيله بشكل سليم ، أؤمن أن تلك الأشياء هي مفاتيح صغيرة جداً تفتح أبواب ضخمة إلى تلك المناطق البعيدة العطشى فى الروح ومن ثم فى العقل ، تفتح قيود وتزيل أتربة كونتها مئات السنين مخلفة وروداً ناعمة يغلب عليها اللونين الأحمر والأبيض ،  
 توقفت عن الإيمان بما يُدعى الفن الهادف الخادم لفكرة ما ، زاد إيماني بالهلاوس وبقايا الأحلام ، بالصور المهزوزة ورائحة الجسد وأصابع اليدين ، غيرت عنوان المدونة إلى بيلليترست وأنا أعرف أنني لست كذلك ولكنني معمية بالغواية ، البشر يعرفون الحب ، البشر يغوون ويغتون بالحب ، محاولات الفهم ها هنا هي أكبر مضيعة للوقت والفطرة ، ما من داعي لفهم أي شئ ، ما من داعي للتحدث فيما لا نفهم ولا نريد أن نفهم ، المسميات خيانة كبرى في حق المعاني والألوان ، المدن ترغب فى المزيد من المسميات والإطارات ، المدن ترغب فى المزيد من التوضيح والقواميس والقيود ، المدن قاسية وشريرة .


The dreamers - 2003