Saturday, May 21, 2016

إلى إبراهيم أصلان و البندول النحاسي


خيوط الدم المنحوتة تحت جلدها الشفاف يراها من بنصف عين ، جروحك التي تصورتها في نفس المكان حجبها سواد جلدك، أنت لست هي، لا قبلة يغلفها الذنب على جبينك الليلة ولا يد جراحٍ يبدو جنوبي الأصل ستمتد لوقف نزفك الغير مرئي، تبدو مُتعب وغير جميل، تبدو نتيجة لما للطبيعة وما عليها، تبدو هي صغيرة وأقرب لله ونظرية الخلق، تبدو من الجنة وبلا ذراعين ،
 التحام روحيكما وجسديكما وبقايا طفولتكما لن تمنحك مما مُنحت هي الليلة وأردتَ أن تتحمل منه ولو القليل ، حباً وليس دفاعاً عن نفسك ، شفتاها الحريرتان برقة ولون التوت اللتان صبغتهما الرغبة في شفتيك الخشنتين الممتلئتين قامت الأم الكبرى بكَيِهُما ، أصبحتا غير صالحتين للقبل ، وهي الآن بلا يدين ،
من غير العدل أن تُكسر مرتين كما أنه ما من داعي لكي شفتيك فما من أحد غيرها يرغب في تقبيلك أو لمس أصابعك النحيلة ،
أتذكر جدتك عندما منحتك حلوى الكراميل للمرة الأولى والأخيرة ؟، بدت قبلتها الأولى لك كاستعادة صورة من حلم بعيد وهي " طعم الكراميل " الذي اعتبرت أنك كنت تتخيله من البداية .

كفها الصغير والكف الأخر احتضنا كفك الوحيد لشهورٍ متواصلة وتشربا عرقه وخشونته وشقاءه لعشرين عاماً ، الكفان الجميلان دُفنا الليلة بجانب خالها شهيد الحرب مشبوكيّن بذراعيها ، وكذلك ورد شفتيها التي صبت بلسمه على خدوش جلدك مراراً لليالٍ طويلة في فراشك الضيق التى لم تشغل منه هي ربع حيزك ، أو فوق سطوح مسكنك في الحارة الضيقة التى يحمل أعلاها سحراً لا ينتمى لفقرها وجوعها ، قبلتك طويلاً دون أن تنبس بكلمة ، لأنها دائماً تقول ما لا تريده وتريد ما لا تقوله ، وضعت أصابع كفك بين خصلات شعرها وتركتك تمشطه وتعبث به ومدت أحد كفيها لتساعدك في تضفيره ،
ستنال الليلة ألف قبلة خشنة على شعرها الأسود الطويل وألف كلمة اعتذار على الأذى المُحب كما يسمونه ، سيحرقها جسدها بأكمله وستتعذب فى فراشها وستقاوم التعب وتتحامل على قدميها الملسوعتين وتستند بكتفيها إلى الجدارن الحديدية في محاولة غير مجدية للزحف إليك ، لتصب على جبينك المتعب الماء البارد وتفتح مسام جلدك المختنق بقبلتين ، هما في واقع الأمر لمستان من بقايا الشفتين ، ثم تذهب وتتركك مع ذنب جراحها التى تسببت بها أثناء محاولتك اختراق الزمن ، لا زمن مشترك بينكما ، كلاكما ليس للآخر ، كلاكما ينتمى لعالمه ، لن يتحرك البندول النحاسي ،
تحمل الليلة ، ستختفي صورة العتمة من رأسك في الصباح وتنسي كما تنسي دائماً ، ستعود لحظات التذكر وتؤلمك لكنها لن تطول .

مُزجَتْ روحُكَ في روحي كما تُمزَجُ الخمرةُ بالماءِ الزُلالِ
فإذا مَسَّكَ شَيءٌ مَسّني .. فإذا أَنتَ أَنا في كُلّ حالِ " - الحلاج .





- القصة هي تصور لما وراء لوحة " بندول من نحاس " من كتاب يوسف والرداء للحبيب إبراهيم أصلان .