لا أعرف متي صعدت إلي تلك السفينة أو كيف ، أقف هنا علي سطحها العالي واتأمل المياه وأفكر في نهايتها التي هي على الأرجح مياه أيضاً ، المياه تشغل أكثر مما ينبغي لها في عالمي،آخر ما أذكره قبل صعودي الأبدي لتلك الرحلة هو إختبائي في دولاب الملابس ، لأنني بالطبع لا احتمل أقارب أمي ولن أقضي الليلة معهم ، كانت تناديني رغم معرفتها بمخبأي المعتاد ،
لم تترك أمي فرصة إلا وأخبرتني كم أنا جميلة ، لم أترك فرصة دون أن أؤكد لها ضيقي ويأسي من العالم حتى لو كنت أشعر بغير ذلك ، أحب إحساس " خضتها " وقلقها علي ، أدرك كم أنا أنانية في ذلك ،
كان قبطان المركب حبيبي ، أحببته بعد أن أنقذني من قسوة قلبي ومن المياه ، وأحبني من دون سبب ، كان دائماً يشكرني علي الخطابات التي أرسلتها له لسنوات قبل أن التحق به في رحلته ، لم أكن أعرف عن ماذا يتحدث ، فأنا لا أعرف الكتابة ولم أُرسل يوماً إلي تلك المباني التعيسة التي يدعونها بالمدارس ، ولم أعرفه قبل غرقي ، ولم أعرف أين هو ولا سفينته من العالم ، ولا أعرف أين نحن الآن ، وهل ما زالنا علي الأرض أو نبحر في مياه كوكب آخر ، لكنه كان مًُصراً أنني أخبرته عن ميعاد وصولي لذلك انتظرني ، وكان يرجح أنني قد أصبت بفقدان الذاكرة خلال رحلتي الشاقة في المياه ، صدقته ولكنني لم استطيع أن أنسى أمي أو أسلم بأنها كانت وهماً ، حدثته بلغتي وحدثني بلغته وأجبرتنا الظروف أن يفهم كلانا الآخر ، في الليل كان يضع فوقي شالاً أحمرً حريرياً ويغني بجانب فراشي حتي أنام ،حتي اختفى ذات صباح من على ظهر السفينة، وبقيت وحيدة ، بلا أغنية .
البحر ليس صديقي ولكنه رفيق طريق أجبرت عليه أو اختارته ، لا أعلم حقاً ،
أنا لا أعلم ، ولم أعلم من قبل ، لا أعلم كيف بدأ العالم وكيف سينتهي ، الحقيقة أنني لا أريد أن أعلم ،
إن كانت قدمي العارية تلمس الأرض الساخنة ، وإن كنت أستطيع أن اتناول اللاتيه واحفظ أشعاراً غير مقفاة وأوشم جسدي بحرية ، إن كنت أنال بعض القبلات المفعمة بالرغبة علي ظهري ، فأنا لا أريد أن أعلم ، أما ذلك الفراغ المالح الذي مللت رائحته فهو يجعلني أريد - وللأسف-أن أعلم ،
ربما عليّ أن أحب شيطاناً طويل الشعر يعرف من الأسرار أكثر ما يعرفه البحار وأكثر مما عرفته أمي، لم أعتقد في شر الشياطين يوماً واحداُ في حياتي، سيكون موتي جميلاً لا يعرف الطقوس المُبكية ولن يكون هناك من يبكي .
* عنوان كتاب لإميل سيوران.
