Monday, April 29, 2019

A tribute to Notre Dame and literature



أخرج الرماد مريم من كهفها الجنوبي العتيق، ألفيّتان قد مرتا بالفعل منذ أن وصلت اليهودية الجميلة على متن القارب السحري، تحمل بين ذراعيها ابن الرب وفي حواسها رائحته وتنهيداته وملح عينيها، لقد عاشت لتشهد عيناها الجميلتان ما يعميهما من شدة الالتهاب ولكن ٱخر دمعاتها دُفنت في القبر الفارغ، " لماذا تبكين يا امرأة ؟" ، كانت النظرة الأخيرة في وجه الحبيب الذي سكت للأبد، إنها مريم بنت مجدل، يوخزها الشك في عينيها كل ليلة مثلما يفعل في رقبتها وصدغها وخصرها وركبتيها وذراعها الأيمن وشفتها السفلى، سبعة مواضع منصهرة ومفتتة حيث خرجت شياطينها محمومة كانفجار النجوم، تتحسس شعرها الشرقي وما دلقته عليه من سواد ليلة أمس، يجب أن تقابل أصدقاءها كما تركتهم فيما مضى.

الأمس في فلسطين واليوم في جنوب فرنسا على شاطيء المتوسط الحنون، تبدو الحياة هادئة، لقد سمعت أن المزيد من المهاجرين الذين كرهتهم أوطانهم مثلها يتوافدون لتلك المنطقة ولكن الأنباء مؤكدة، لا أحد منهم يتحدث السريانية. 
المترو ليست وسيلة المواصلات المعتادة بالطبع ولكنه مجاني وسرعته جنونية، لم تعلم بأمر تذكرة المخالفة وساعدها الحظ، 
أتى المساء مبكرًا في باريس، إنها نوتردام العجوز تستسلم من جديد لرقصة النيران الهائمة، هي لا تملك خلافات شخصية مع بني ٱدم ولا حضارته الشامخة، هي فقط تريد أن ترقص، هكذا أخبرها حدسها، ثم غابت في التفكير في النار والظهيرة الحارقة في صحراء بلادها الجميلة، وعندما وصلت إلى البوابة الغربية لمحت صديقًا قديمًا، إنه كوازيمودو، قارع جرس الكنيسة العاشق، لم تنس أن تصطحب معها باقة من الجوردون البنفسجي والنرجس الأبيض، ناولته الصحبة الحزينة وعزته بحرارة في الفاجعة التي حلت بمنزله العتيق، بكى كوازيمودو وشكرها على المجيء وعلى الورد، بدا لها ظهره كمشروع إلهي غير مكتمل لخلق أول إنسان طائر، وذكره شعرها المنسدل بجميلته ازميرلدا، لمحت مريم تمثال لها تمقته كما تمقت كل لوحة صورتها أو ممثلة جسدتها.
ابتعدا تدريجيًا عن بيت الأحدب الكليم، أخبرت كوازيمودو عن رحلتها الطويلة من جنوب البلاد وعن المترو، يعرف كوازيمودو أين سيقضيان الليل، ناولته تفاصيل العنوان لأنها لا تقرأ الفرنسية، أوبرا باريس، سيقيمان بعض الوقت في ضيافة شبح الأوبرا سليط اللسان، حاد الذكاء والحس الفني، والذي يقيم تحت أوبرا باريس ويهيم هو الآخر بكريستين مغنية السوبرانو الفاتنة، إنه ملاك الموسيقى الذبيح، التقت مريم بكليهما منذ ما يقرب من قرن في متجر صغير للكتب بشارع ضيق في إحدى ضواحي باريس الشمالية، ثلاثة جرحى باعدهم الميلاد ووحدتهم الأوجاع، تشارك مريم وكوازيمودو تطلعاتهم عن الليلة الطويلة، كانت مريم تحاول تشتيته بالطبع، حدثها عما يعرف من عروض تجرى هناك، لم تعرف مريم ما هو الباليه، وأخفق كوازميددو في محاولة تصويره ولكنه وعدها بأنها ستستمتع وأن صديقهم الشبح لن يؤذي أحداً في الأوبرا الليلة، تحدثا عن بائع الكتب الوقح الذي قضيا أجمل لياليهما في حانوته الصغير، كرهاه وكرهته، كنت أود لو أكملت التلصص على ذكرياتهم، لكنني خفت أن أكون العدو القادم، خاصة أنني قد وقعت في عشقهم بالفعل، فأغلقت الكتب وأغلقت مكتبتي بعد أن اطمأن قلبي وفكري على كوازميدو العزيز وذهبت للنوم.